Thursday, June 2, 2011

البرهان فى علوم القرأن

 1.البرهان فى علوم القرأن:ج:2
ومن ظريف ما حكي في كتاب هبة الله أنه قال في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} منسوخ من هذه الجملة {وَأَسِيراً} والمراد بذلك أسير المشركين فقرئ الكتاب عليه وابنته تسمع فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت: أخطأت يا أبت في هذا الكتاب! فقال لها: وكيف يا بنية! قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا.
قال الأئمة: ولا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ وقد قال علي بن أبي طالب لقاض: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: الله أعلم قال: هلكت وأهلكت
والنسخ يأتي بمعنى الإزالة ومنه قوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ}.
ويأتي بمعنى التبديل كقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ}
وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث- يعني تحويل الميراث من واحد إلى واحد.
ويأتي بمعنى النقل من موضع إلى موضع ومنه: "نسخت الكتاب" إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه. قال مكي: وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن وأنكر على النحاس إجازته ذلك محتجا بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وإنما يأتي بلفظ آخر وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن بركات السعدي يشهد لما قاله النحاس قوله تعالى:
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} ومعلوم أن ما نزل من الوحي نجوما جميعه في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ كما قال: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}.
ثم اختلف العلماء فقيل المنسوخ ما رفع تلاوة تنزيله كما رفع العمل به ورد بما نسخ الله من التوراة بالقرآن والإنجيل وهما متلوان
وقيل: لا يقع النسخ في قرآن يتلى وينزل والنسخ مما خص الله به هذه الأمة في حكم من التيسير ويفر هؤلاء من القول بأن الله ينسخ شيئا بعد نزوله والعمل به وهذا مذهب اليهود في الأصل ظنا منهم أنه بداء كالذي يرى الرأي ثم يبدو له وهو باطل لأنه بيان مدة الحكم ألا ترى الإحياء بعد الإماتة وعكسه والمرض بعد الصحة وعكسه والفقر بعد الغنى وعكسه وذلك لا يكون بداء فكذا الأمر والنهي
وقيل: إن الله تعالى نسخ القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب فأنزله على نبيه والنسخ لا يكون إلا من أصل.
والصحيح جواز النسخ ووقوعه سمعا وعقلا.
ثم اختلفوا فقيل: لا ينسخ قرآن إلا بقرآن لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرا منه إلا قرآن
وقيل: بل السنة لا تنسخ السنة
وقيل: السنة إذا كانت بأمر الله من طريق الوحي نسخت وإن كانت باجتهاد فلا تنسخه حكاه ابن حبيب النيسابوري في تفسيره
وقيل: بل إحداهما تنسخ الأخرى ثم اختلفوا فقيل: الآيتان إذا أوجبتا حكمين مختلفين وكانت إحداهما متقدمة الأخرى فالمتأخرة ناسخة للأولى كقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} ثم قال بعد ذلك: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وقال: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} قالوا: فهذه ناسخة للأولى ولا يجوز أن يكون لهما الوصية والميراث
وقيل: بل ذلك جائز وليس فيهما ناسخ ولا منسوخ وإنما نسخ الوصية للوارث بقوله عليه السلام "لا وصية لوارث" وقيل: ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة
ويجوز نسخ الناسخ فيصير الناسخ منسوخا وذلك كقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} نسخها بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ثم نسخ هذه أيضا بقوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} وقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وناسخه قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ثم نسخها: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}.
مسألة: في جواز النسخ بالكتاب
لا خلاف في جواز نسخ الكتاب بالكتاب قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وقال: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} ، ولذلك نسخ السنة بالكتاب كالقصة في صوم عاشوراء برمضان وغيره.
واختلف في نسخ الكتاب بالسنة قال ابن عطية حذاق الأمة على الجواز وذلك موجود في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا وصية لوارث".
وأبى الشافعي ذلك والحجة عليه من قوله في إسقاط الجلد في حد الزنا عن الثيب الذي رجم فإنه لا مسقط لذلك إلا السنة فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلنا: أما آية الوصية فقد ذكرنا أن ناسخها القرآن وأما ما نقله عن الشافعي فقد اشتهر ذلك لظاهر لفظ ذكره في الرسالة وإنما مراد الشافعي أن الكتاب والسنة لا يوجدان مختلفين إلا ومع أحدهما مثله ناسخ له وهذا تعظيم لقدر الوجهين وإبانة تعاضدهما وتوافقهما وكل من تكلم على هذه المسألة لم يفهم مراده
وأما النسخ بالآية فليس بنسخ بل تخصيص ثم إنه ثابت بالقرآن الذي نسخت تلاوته وهو "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"
فصل: فيما يقع فيه النسخ
الجمهور على أنه لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي وزاد بعضهم الأخبار وأطلق وقيدها آخرون بالتي يراد بها الأمر والنهي
تنبيهات
التنبيه الأول:
في تقسيم سور القرآن بحسب ما دخله من النسخ وما لم يدخله
اعلم أن سور القرآن العظيم تنقسم بحسب ما دخله النسخ وما لم يدخل إلى أقسام:
أحدها: ما ليس فيه ناسخ ولا منسوخ وهي ثلاث وأربعون سورة وهي: الفاتحة ثم يوسف ثم يس ثم الحجرات ثم الرحمن ثم الحديد ثم الصف ثم الجمعة ثم التحريم ثم الملك ثم الحاقة ثم نوح ثم الجن ثم المرسلات ثم النبأ ثم النازعات ثم الانفطار ثم المطففين ثم الانشقاق ثم البروج ثم الفجر ثم البلد ثم الشمس ثم الليل ثم الضحى ثم الانشراح ثم القلم ثم القدر ثم الانفكاك ثم الزلزلة ثم العاديات ثم القارعة ثم ألهاكم ثم الهمزة ثم الفيل ثم قريش ثم الدين ثم الكوثر ثم النصر ثم تبت ثم الإخلاص ثم المعوذتين
وهذه السور تنقسم إلى ما ليس فيه أمر ولا نهي وإلى ما فيه نهي لا أمر
والثاني: ما فيه ناسخ وليس فيه منسوخ وهي ست سور: الفتح والحشر والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى
الثالث: ما فيه منسوخ وليس فيه ناسخ وهو أربعون: الأنعام والأعراف ويونس وهود والرعد والحجر والنحل وبنو إسرائيل والكهف وطه والمؤمنون والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والمضاجع والملائكة والصافات وص والزمر والمصابيح والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف وسورة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والباسقات والنجم والقمر والرحمن والمعارج والمدثر والقيامة والإنسان وعبس والطارق والغاشية والتين والكافرون
الرابع: ما اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ وهي إحدى وثلاثون سورة: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأعراف والأنفال والتوبة وإبراهيم والنحل وبنو إسرائيل ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان والشعراء والأحزاب وسبأ والمؤمن والشورى والقتال والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والممتحنة والمزمل والمدثر والتكوير والعصر
ومن غريب هذا النوع آية أولها منسوخ وآخرها ناسخ قيل ولانظير لها في القرآن وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ} يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا ناسخ لقوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ذكره ابن العربي في أحكامه
التنبيه الثاني:
في ضروب النسخ في القرآن
النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب:
الأول: ما نسخ في تلاوته وبقي حكمه فيعمل به إذا تلقته الأمة بالقبول كما روى أنه كان يقال في سورة النور "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبته نكالا من الله" ولهذا قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي رواه البخاري في صحيحه معلقا
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي بن كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة النور فكان فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"
وفي هذا سؤالان: الأول : ما الفائدة في ذكر الشيخ والشيخة؟ وهلا قال المحصن والمحصنة؟
وأجاب ابن الحاجب في أماليه عن هذا بأنه من البديع في المبالغة وهو أن يعبر عن الجنس في باب الذم بالأنقص فالأنقص وفي باب المدح بالأكثر والأعلى فيقال: لعن الله السارق يسرق ربع دينار فتقطع يده والمراد: يسرق ربع دينار فصاعدا إلى أعلى ما يسرق وقد يبالغ فيذكر مالا تقطع به كما جاء في الحديث "لعن الله السارق
يسرق البيضة فتقطع يده" وقد علم أنه لا تقطع في البيضة وتأويل من أوله ببيضة الحرب تأباه الفصاحة
الثاني: أن ظاهر قوله: "لولا أن يقول الناس الخ" أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب وقد يقال: لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر رضي الله عنه ولم يعرج على مقال الناس لأن مقال الناس لا يصلح مانعا
وبالجملة فهذه الملازمة مشكلة ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر في "الينبوع" عد هذا مما نسخ تلاوته قال: لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن. قال: وإنما هذا من المنسأ لا النسخ، وهما مما يلتبسان والفرق بينهما: أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه ويثبت أيضا وكذا قاله في غيره القراءات الشاذة كإيجاب التتابع في صوم كفارة اليمين ونحوه أنها كانت قرآنا فنسخت تلاوتها لكن في العمل بها الخلاف المشهور في القراءة الشاذة
ومنهم من أجاب عن ذلك بأن هذا كان مستفيضا عندهم وأنه كان متلوا من القرآن فأثبتنا الحكم بالاستفاضة وتلاوته غير ثابتة بالاستفاضة
ومن هذا الضرب ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري: إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني أحفظ منها "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا
ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها "يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة".
وذكر الإمام المحدث أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي في كتابه الناسخ والمنسوخ مما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر قال: ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى أبي بن كعب وأنه ذكر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أقرأه إياهما وتسمى سورتي الخلع والحفد
هنا سؤال وهو أن يقال: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهلا أبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ وأجاب صاحب الفنون فقال: إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام والمنام أدنى طرق الوحي
الضرب الثاني: ما نسخ حكمه وبقي تلاوته وهو في ثلاث وستين سورة كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} الآية فكانت المرأة إذا مات زوجها لزمت التربص بعد انقضاء العدة حولا كاملا ونفقتها في مال الزوج ولا ميراث لها وهذا معنى قوله: {مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} الآية فنسخ الله
ذلك بقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} وهذا الناسخ مقدم في النظم على المنسوخ
قال القاضي أبو المعالي: وليس في القرآن ناسخ تقدم على المنسوخ إلا في موضعين: هذا أحدهما والثاني قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية فإنها ناسخة لقوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}.
قلت: وذكر بعضهم موضعا آخر وهو قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} هي متقدمة في التلاوة ولكنها منسوخة بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}.
وقيل: في تقديم الناسخة فائدة وهي أن تعتقد حكم المنسوخة قبل العلم بنسخها
ويجيء موضع رابع وهو آية الحشر في قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الآية فإنه لم يذكر فيها شيء للغانمين ورأى الشافعي أنها منسوخة بآية الأنفال وهي قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}.
واعلم أن هذا الضرب ينقسم إلى ما يحرم العمل به ولا يمتنع كقوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ثم نسخ الوجوب. ومنه قوله: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} قيل: منسوخ بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}.
وقوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} نسختها آيات القيامة والكتاب والحساب.
وهنا سؤال وهو أن يسأل: ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة؟ والجواب من وجهين: أحدهما أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة
وثانيهما: أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة ورفع المشقة وأما حكمة النسخ قبل العمل كالصدقة عند النجوى فيثاب على الإيمان به وعلى نية طاعة الأمر
الثالث: نسخهما جميعا فلا تجوز قراءته ولا العمل به كآية التحريم بعشر رضعات فنسخن بخمس قالت عائشة: " كان مما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي مما يقرأ من القرآن" رواه مسلم
وقد تكلموا في قولها وهي "مما يقرأ" فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك فمنهم من أجاب بأن المراد قارب الوفاة والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوفي وبعض الناس يقرؤها
وقال أبو موسى الأشعري: نزلت ثم رفعت.
وجعل الواحدي من هذا ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه قال كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر وفيه نظر
وحكى القاضي أبو بكر في الانتصار عن قوم إنكار هذا القسم لأن
الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها
وقال أبو بكر الرازي نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} ولا يعرف اليوم منها شيء ثم لا يخلو ذلك من أن يكون في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا توفي لا يكون متلوا في القرآن أو يموت وهو متلو موجود في الرسم ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فائدة
قال ابن العربي: قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} ناسخة لمائة وأربع عشرة آية ثم صار آخرها ناسخا لأولها وهي قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}.
قالوا: وليس في القرآن آية من المنسوخ ثبت حكمها ست عشرة سنة إلا قوله في الأحقاف: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} وناسخها أول سورة الفتح
قال ابن العربي: ومن أغرب آية في النسخ قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أولها وآخرها منسوخان ووسطها محكم
وقسمه الواحدي أيضا إلى نسخ ما ليس بثابت التلاوة كعشر رضعات وإلى نسخ ما هو ثابت التلاوة بما ليس بثابت التلاوة كنسخ الجلد في حق المحصنين بالرجم والرجم غير متلو الآن وإنه كان يتلى على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالحكم ثبت والقراءة لا تثبت كما يجوز أن تثبت التلاوة في بعض ولا يثبت الحكم وإذا جاز أن يكون قرآن ولا يعمل به جاز أن يكون قرآن يعمل به ولا يتلى وذلك أن الله عز وجل أعلم بمصالحنا وقد يجوز أن يعلم من مصلحتنا تعلق العمل بهذا الوجه
التنبيه الثالث
في تقسيم القرآن على ضروب من وجه آخر
قسم بعضهم النسخ من وجه آخر إلى ثلاثة أضرب:
الأول: نسخ المأمور به قبل امتثاله وهذا الضرب هو النسخ على الحقيقة كأمر الخليل بذبح ولده وكقوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} ثم نسخه سبحانه بقوله: {أَأَشْفَقْتُمْ} الآية
الثاني: ويسمى نسخا تجوزا وهو ما أوجبه الله على من قبلنا كحتم القصاص
ولذلك قال عقب تشريع الدية: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} وكذلك ما أمرنا الله به أمرا إجماليا ثم نسخ كنسخه التوجه إلى بيت المقدس بالكعبة فإن ذلك كان واجبا علينا من قضية أمره باتباع الأنبياء قبله وكنسخ صوم يوم عاشوراء برمضان
الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر وبالمغفرة للذين يرجون لقاء الله ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها ثم نسخه إيجاب لذلك وهذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسء كما قال تعالى: {أَوْ نُنْسِئُهَا} فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى
وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف وليست كذلك بل هي من المنسأ بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر وليس بنسخ إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدا وإلى هذا أشار الشافعي في الرسالة إلى النهي عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل الرأفة ثم ورد الإذن فيه فلم يجعله منسوخا بل من باب زوال الحكم لزوال علته حتى لو فاجأ أهل ناحية جماعة مضرورون تعلق بأهلها النهي
ومن هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية كان ذلك في ابتداء الأمر فلما قوي الحال وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والمقاتلة عليه ثم لو فرض وقوع الضعف كما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ" عاد الحكم وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فإذا رأيت هوى متبعا وشحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك"
وهو سبحانه وتعالى حكيم أنزل على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ضعفه ما يليق بتلك الحال رأفة بمن تبعه ورحمة إذ لو وجب لأورث حرجا ومشقة فلما أعز الله الإسلام وأظهره ونصره أنزل عليه من الخطاب ما يكافئ تلك الحالة من مطالبة الكفار بالإسلام أو بأداء الجزية إن كانوا أهل كتاب أو الإسلام أو القتل إن لم يكونوا أهل كتاب ويعود هذان الحكمان أعني المسألة عند الضعف والمسايفة عند القوة بعود سببهما وليس حكم المسايفة ناسخا لحكم المسالمة بل كل منهما يجب امتثاله في وقته
فائدة
قيل في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} ولم يقل من القرآن لأن القرآن ناسخ مهيمن على كل الكتب وليس يأتي بعده ناسخ له وما فيه من ناسخ ومنسوخ فمعلوم وهو قليل بين الله ناسخه عند منسوخه كنسخ الصدقة عند مناجاة الرسول والعدة والفرار في الجهاد ونحوه وأما غير ذلك فمن تحقق علما بالنسخ علم أن غالب ذلك من المنسأ ومنه ما يرجع لبيان الحكم المجمل كالسبيل في حق الآتية بالفاحشة فبينته السنة وكل ما في القرآن مما يدعى نسخه بالسنة عند من يراه فهو بيان لحكم
القرآن وقال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}
وأما بالقرآن على ما ظنه كثير من المفسرين فليس بنسخ وإنما هو نسأ وتأخير أو مجمل أخر بيانه لوقت الحاجة أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب غيره أو مخصوص من عموم أو حكم عام لخاص أو لمداخلة معنى في معنى وأنواع الخطاب كثيرة فظنوا ذلك نسخا وليس به وأنه الكتاب المهيمن على غيره وهو في نفسه متعاضد وقد تولى الله حفظه فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}

Al-qamus al-muhith:3342.
نسَخَه كمَنَعَه : أزاله وغَيَّره وأبْطَلَه وأقامَ شيئا مُقَامَه و الشيءَ : مَسَخَه و الكِتابَ : كَتَبَه عن مُعارَضَةٍ كانْتَسَخَه واسْتَنْسَخَه والمَنْقولُ منه : النُسْخَةُ بالضم و ما في الخَليَّةِ : حَوَّلَه إلى غيرها . والتَناسُخُ والمُناسَخَةُ في الميراثِ : مَوْتُ وَرَثَةٍ بعد وَرَثَةٍ وأصلُ المِيراثِ قائمٌ لم يُقْسَمْ . وتَناسُخُ الأَزْمِنَةِ : تَداوُلُها أو انْقِراضُ قَرْنٍ بعد قَرْنٍ آخَرَ ومنه : التَّناسُخِيَّةُ . وبَلْدَةٌ نَسيخَةٌ ونُسَخِيَّةٌ كجُهَنِيَّةٍ : بَعيدةٌ . والنُّسوخُ بالضم : ة بالقادِسِيَّةِ
3. الناسخ والمنسوخ لابن جزم ص:5
عن أبي عبد الرحمن قال مر علي رضي الله عنه على قاض فقال له أتعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت - وعن سعيد ين أبي الحسن أنه لقي أبا يحيى المعرف فقال له أعرفوني أعرفوني يا سعيد أني أنا هو قال ما عرفت أنك هو قال فإني أنا هو مر بي علي رضي الله عنه وأنا أقض بالكوفة فقال لي من من أنت قلت أنا أبو يحيى فقال لست

4. الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص:1
باب الناسخ والمنسوخ
أعلم أن الناسخ والمنسوخ في كلام العرب هو: رفع الشيء، وجاء الشرع بما تعرف العرب، إذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ.
والمنسوخ في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أضرب: فمنه: ما نسخ خطه وحكمه.
ومنه: ما نسخ خطه وبقي حكمه.
ومنه: ما نسخ حكمه وبقي خطه.
فأما ما نسخ حكمه وخطه: فمثل ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة تعدلها سورة التوبة، ما أحفظ منها غير آية واحدة: (ولو أن لابن آدم واديان من ذهب لا بتغى إليها ثالثا، ولو أن له ثالثا لابتغى إليها رابعا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آية، فحفظتها وكتبتها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت إلى مضجعي فلم أرجع منها بشيء، وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: (يا ابن مسعود، تلك رفعت البارحة).
وأما ما نسخ خطه وبقي حكمه: فمثل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لولا أكره أن يقول الناس: قد زاد في القرآن ما ليس فيه، لكتبت آية الرجم وأثبتها، فوالله لقد قرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ترغبوا عن آبائكم، فإن ذلك كفر بكم. الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله والله عزيز حكيم).
فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم.
وأما ما نسخ حكمه وبقي خطه: فهو في ثلاث وستين سورة، مثل: الصلاة إلى بيت المقدس، والصيام الأول، والصفح عن المشركين والإعراض عن الجاهلين.
قال أبو القاسم: فأول ما نبدأ به من ذلك: تسمية السور التي لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ وهي ثلاث وأربعون سورة، والله أعلم.
-
5. الناسخ والمنسوخ للكرمي - مرعي الكرمي ص:22

مقدمة في معنى النسخ
قال العلماء بلسان العرب النسخ لغة التبديل والرفع والإزالة والنقل وسيأتي معناه شرعا وقال المحققون منهم النسخ على ثلاثة أقسام
الأول من معاني النسخ في القرآن بالمعنى الشرعي أن يكون مأخوذا من قول العرب نسخت الشمس الظل إذا أزالته ورفعته بانبساطها وحلت محله وهذا موافق لما أزال القرآن لفظه وحكمه وحل محله
قلت ويمثل له بآية الخمس رضعات أو حكمه دون لفظه
الثاني أن يكون مأخوذا من قولهم نسخت الريح الآثار وكذا يقولون في الأمطار إذا أزالتها ومحتها قلت وهو بمعنى الأول من حيث الإزالة لا من حيث الحلول لأن الريح لا تحل محل ما أزالته حينا وهذا مواقف في القرآن لما زال لفظه دون حكمه كآية الرجم
أو زالا معا
الثالث أن يكون مأخوذا من قولهم نسخت الكتاب إذا نقلته حاكيا للفظه وحروف هجائه
قال أبو محمد المعروف بمكي في كتابه الناسخ والمنسوخ وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن وأنكر على جعفر أحمد بن النحاس حيث أجاز أن يكون في القرآن واحتج بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وإنما يأتي بلفظ آخر
وانتصر صاحب كتاب الإيجاز لأبن النحاس فقال والذي قاله أبو جعفر قريبا مستعملا في كتاب الله قال تعالى إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وقال وأنه في أم الكتاب لدينا الآية ومعلوم أن ما نزل من الوحي هو ما في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ كما قال تعالى
في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ومنه ينقل ما ينزل
قال تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فهذا أدل دليل على جواز النسخ في كتاب الله تعالى يعني بالمعنى المذكور
فالقرآن على هذا التأويل منسوخ من أم الكتاب منقول بالخط وحروف الهجاء وأم كل شيء في كلام العرب أصله
وأم الكتاب اللوح المحفوظ فالذي علل به مكي واعترض لا يبطل استعمال هذا الوجه ومجيئه
قلت وفي جواب صاحب الإيجاز عن ابن النحاس ليرد ما قاله مكي نظر فأن هذا أمر متفق عليه
والقرآن بهذا المعنى كله منسوخ لأنه نسخ من اللوح المحفوظ أي نقل منه وليس هو بمراد مكي فأنه لا يجهل ذلك ولا يسعه إنكاره
فالاحسن حمل كلام مكي على القرآن بعد نزوله مع الروح الأمين على قلب سيد المرسلين
والنسخ بالمعنى المذكور ينفى منه قطعا
فكلام مكي على هذا في غاية التسديد لكن اعتراضه على ابن النحاس غير سديد لحمل كلامه على ما قاله صاحب الإيجاز إذن لا خلاف بحسب الحقيقة فتأمل
6. ابن كثير
وأصل النسخ من نسخ الكتاب، وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره،
إنما هو تحويله ونقل عبَادَة إلى غيرها. وسواء نسخ حكمها أو خطها، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة. وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ، والأمر في ذلك قريب؛ لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ولخَّص (1) بعضهم أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر. فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل، وعكسه، والنسخ لا إلى بدل. وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوط في فَنِّ أصول الفقه.
وقال الطبراني: حدثنا أبو شبيل (2) عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد، حدثنا أبي، حدثنا العباس بن الفضل، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها مما نسخ وأنسي، فالهوا عنها". فكان الزهري يقرؤها: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } (3) بضم النون خفيفة (4) . سليمان بن أرقم ضعيف.
[وقد روى أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه، عن نصر بن داود، عن أبي عبيد، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس وعبيد وعقيل، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف مثله مرفوعًا، ذكره القرطبي (5) ] (6) .
وقوله تعالى: { أَوْ نُنْسِهَا } (7) فقرئ على وجهين: "ننسأها ونُنْسها". فأما من قرأها: "نَنسأها" -بفتح النون والهمزة بعد السين-فمعناه: نؤخرها. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسئهَا } يقول: ما نبدل من آية، أو نتركها لا نبدلها.
وقال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود: { أَوْ نُنسِئَهَا } نثبت خطها ونبدل حكمها. وقال (8) عبيد بن عمير، ومجاهد، وعطاء: { أَوْ نُنسِئَهَا } نؤخرها ونرجئها. وقال عطية العوفي: { أَوْ نُنسِئَهَا } نؤخرها فلا ننسخها. وقال السدي مثله أيضا، وكذا [قال] (9) الربيع بن أنس. وقال الضحاك: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَهَا } يعني: الناسخ من المنسوخ. وقال أبو العالية: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَهَا } أي: نؤخرها عندنا.
وقال ابن حاتم: حدثنا عبيد الله بن إسماعيل البغدادي، حدثنا خلف، حدثنا الخفاف، عن إسماعيل -يعني ابن مسلم-عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
__________
(1) في ط: "ويخص".(2) في هـ: "أبو سنبل" وهو خطأ.(3) في ط: "أو ننسيها".(4) المعجم الكبير (12/288).
(5) ورواه الطحاوى في مشكل الآثار برقم (2034) من طريق ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب، عن أبي أمامة به، وبرقم (2035) من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي أمامة به.(6) زيادة من جـ، ط.(7) في ط، ب، أ: "أو ننساها".(8) في جـ، ط، أ: "وكما قال".(9) زيادة من أ.
خطبنا عمر، رضي الله عنه، فقال: يقول الله عز وجل: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } أي: نؤخرها.
وأما على قراءة: { أَوْ نُنْسِهَا } فقال عبد الرزاق، عن قتادة في قوله: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } قال: كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء.
وقال ابن جرير: حدثنا سواد (1) بن عبد الله، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا عوف، عن الحسن أنه قال في قوله: { أَوْ نُنْسِهَا } (2) قال: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نُفَيل، حدثنا محمد بن الزبير الحراني، عن الحجاج -يعني الجزري (3) -عن عِكرمة، عن ابن عباس، قال: كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار، فأنزل الله، عز وجل: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }
قال أبو حاتم: قال لي أبو جعفر بن نفيل: ليس هو الحجاج بن أرطاة، هو شيخ لنا جَزَري.
وقال عبيد بن عمير: { أَوْ نُنْسِهَا } نرفعها من عندكم.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هُشَيْم، عن يعلى بن عطاء، عن القاسم بن ربيعة قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ: " ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَو تَنْسَهَا" قال: قلت له: فإن سعيد بن المسيَّب يقرأ: "أَو تُنْسَأها". قال: فقال (4) سعد: إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب، قال الله، جل ثناؤه: { سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى } [الأعلى: 6]{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف: 24]. (5) .
وكذا رواه عبد الرزاق، عن هشيم (6) وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي، عن آدم، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، به. وقال: على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
قال ابن أبي حاتم: وروي عن محمد بن كعب، وقتادة وعكرمة، نحو قول سعيد.
وقال الإمام أحمد: أخبرنا يحيى، حدثنا سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال عمر: عليٌّ أقضانا، وأُبيٌّ أقرؤنا، وإنا لندع بعض ما يقول أُبيُّ، وأبيّ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فلن أدعه لشيء. والله يقول: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِئَها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } .
قال البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال عمر: أقرؤنا أُبيٌّ، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبيّ، وذلك أن
(1) في جـ، ط، ب، أ، و: "حدثنا سوار".(2) في جـ، ب، أ: "أو ننسئها".(3) في جـ: "الجوزي".(4) في جـ: "فقال قال".
(5) تفسير الطبري (2/475).(6) تفسير عبد الرزاق (1/75).

7. الطبارى
حلالا والمباح محظورا، والمحظور مباحا. ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة. فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ.
وأصل"النسخ" من"نسخ الكتاب"، وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها. فكذلك معنى"نسخ" الحكم إلى غيره، إنما هو تحويله ونقل عبارته عنه إلى غيرها. (1) فإذا كان ذلك معنى نسخ الآية، فسواء - إذا نسخ حكمها فغير وبدل فرضها، ونقل فرض العباد عن اللازم كان لهم بها - أَأُقر خطها فترك، أو محي أثرها، فعفِّي ونسي، (2) إذ هي حينئذ في كلتا حالتيها منسوخة، والحكم الحادث المبدل به الحكم الأول، والمنقول إليه فرض العباد، هو الناسخ. يقال منه:"نسخ الله آية كذا وكذا ينسخه نسخا، و "النُّسخة" الاسم. وبمثل الذي قلنا في ذلك كان الحسن البصري يقول:
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا عوف، عن الحسن أنه قال في قوله:(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها)، قال: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا، ثم نسيه فلم يكن شيئا، (3) ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرءونه.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:(ما ننسخ) فقال بعضهم بما:-
__________
(1) في المطبوعة : "عنه إلى غيره" ، وفي تفسير ابن كثير : "ونقل عبارة إلى غيرها" . والصواب ما أثبت .
(2) في المطبوعة : "أوفر حظها فترك ، أو محي أثرها فعفي أو نسي" ، وهي جملة حشيت تصحيفا وخلطا . ومراد الطبري أن النسخ ، وهو تغير الحكم ، قد يكون مع إقرار الخط كما هو ، والإتيان بحكم آخر في عبارة أخرى - أو رفع الخط ، ونسيان الناس ما حفظوه عند التنزيل . وقوله"عفي" ، من قولهم : عفا الأثر يعفو : درس وذهب . وعفاه يعفيه (بالتشديد) : طمسه وأذهبه .
هذا والجملة التالية : "إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة" ، وحديث الحسن الآتي ، يدل على صواب ما أثبته في قراءة نص الطبري .
(3) في المطبوعة : "قال أقرئ قرآنا" ، سقط منه ما أثبته ، وسيأتي على الصواب في الأثر برقم : 1754 ، ومنه زدت هذه الزيادة . - حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(ما ننسخ من آية)، أما نسخها، فقبضها.
وقال آخرون بما:-
حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(ما ننسخ من آية)، يقول: ما نبدل من آية.
وقال آخرون بما:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن أصحاب عبد الله بن مسعود أنهم قالوا:(ما ننسخ من آية)، نثبت خطها، [ ونبدل حكمها ] .
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(ما ننسخ من آية)، نثبت خطها، ونبدل حكمها. حدثت به عن أصحاب ابن مسعود.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني بكر بن شوذب، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أصحاب ابن مسعود:(ما ننسخ من آية) نثبت خطها،[ونبدل حكمها]. (1)
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ نُنْسِهَا }
قال أبو جعفر: اختلفت الْقَرَأَة في قوله ذلك. فقرأها أهل المدينة والكوفة:(أو ننسها). ولقراءة من قرأ ذلك وجهان من التأويل.
__________
(1) الأثر : 1750 - الزيادة بين القوسين من تفسير ابن كثير 1 : 273 ثم

8. الخازن:92
صفحة رقم 93
لذلك بل له الفضل والمنة على خلقه.
قوله عز وجل : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ( الآية.
وسبب نزولها أن المشركين قالوا : إن محمداً يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول : اليوم قولاً ويرجع عنه غداً ما يقول : إلا من تلقاء نفسه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : ( إذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما انت مفتر ( " فأنزل ما ننسخ من آية فبين بهذه الآية وجه الحكمة في النسخ وأنه من عنده لا من عند محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
وأصل النسخ في اللغة يكون بمعنى النقل والتحويل ومنه نسخ الكتاب , وهو أن ينقل من كتاب إلى كتاب آخر كذلك لا يقتضي إزالة الصورة الأولى بل يقتضي إثبات مثله في كتاب آخر , فعلى هذا المعنى يكون القرآن كله منسوخاً , وذلك أنه نسه من اللوح المحفوظ ونزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا , ويكون النسخ بمعنى الرفع والإزالة وهو إزالة شيء بشيء يعقبه كنسخ الشمس الظل , والشيب الشباب فعلى هذا المعنى يكون بعض القرآن منسوخاً وبعضه ناسخاً , وهو المراد من حكم هذه الآية وهو إزالة الحكم بحكم يعقبه.
فصل في حكم النسخ :
هو في اصطلاح العلماء , عبارة عن رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه , والنسخ جائز عقلاً وواقع سمعاً خلافاً لليهود , فإن منهم من ينكره عقلاً لكنه منعه سمعاً , وشذت طائفة قليلة من المسلمين فأنكرت النسخ احتج الجمهور من المسلمين على جواز النسخ , ووقوعه بأن الدلائل قد دلت على نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونبوته لا تصح , إلا مع القول , بالنسخ وهو نسخ شرع من قبله فوجب القطع بالنسخ.
ولنا على اليهود إلزامات : منها أن الله تعالى حرم عليهم العمل في يوم السبت , ولم يحرمه على من كان قبلهم , ومنها أنه قد جاء في التوراة أن الله تعالى قال لنوح عليه الصلاة والسلام عند خروجه من الفلك : إني جعلت كل دابة مأكولاً لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم.
ثم إنه تعالى حرم على موسى عليه الصلاة والسلام وعلى بني إسرائيل كثيراً من الحيوانات.
ومنها إن آدم عليه الصلاة والسلام كان يزوج الأخ للأخت وقد حرمه على من بعده وعلى موسى عليه الصلاة والسلام فثبت بهذا جواز النسخ , وحيث ثبت جواز النسخ فقد اختلفوا فيه على وجوه : أحدها أن القرآن نسخ جميع الشرائع والكتب القديمة كالتوراة والإنجيل وغيرهما.
الوجه الثاني المراد من النسخ هو نسخ القرآن ونقله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا الوجه الثالث , وهو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن المراد من النسخ هو رفع حكم بعض الآيات بدليل آخر يأتي بعده وهو المراد بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ( لأن الآية إذ أطلقت , فالمراد به آيات القرآن لأنه هو المعهود عندنا.
مسألة : قال الشافعي
9. الجامع لأحكام القرآن, القرطبي
الثانية : معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ، لا يستغني عن معرفته العلماء ، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء ، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام ، ومعرفة الحلال من الحرام. روى أبو البختري قال : دخل علي رضي الله عنه المسجد فإذا رجل يخوف الناس ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : رجل يذكر الناس ، فقال : ليس برجل يذكر الناس! لكنه يقول أنا فلان ابن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ ! فقال : لا ، قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه. وفي رواية أخرى : أعلمت الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت!. ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الثالثة : النسخ في كلام العرب على وجهين :
[أحدهما] النقل ، كنقل كتاب من آخر. وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخا ، أعني من اللوح المحفوظ وإنزاله إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وهذا لا مدخل له في هذه الآية ، ومنه قوله تعالى : {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية : 29] أي نأمر بنسخه وإثباته.
الثاني : الإبطال والإزالة ، وهو المقصود هنا ، وهو منقسم في اللغة على ضربين :
أحدهما : إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه ، ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله ، وهو معنى قوله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} . وفي صحيح مسلم : "لم تكن نبوة قط إلا تناسخت" أي تحولت من حال إلى حال ، يعني أمر الأمة. قال ابن فارس : النسخ نسخ الكتاب ، والنسخ أن تزيل أمرا كان من قبل يعمل به ثم تنسخه بحادث غيره ، كالآية تنزل بأمر ثم ينسخ بأخرى. وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه ، يقال : انتسخت الشمس الظل ، والشيب الشباب. وتناسخ الورثة : أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم ، وكذلك تناسخ الأزمنة والقرون
الثاني : إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه ، كقولهم : نسخت الريح الأثر ، ومن هذا المعنى قوله تعالى {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج : 52] أي يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف بدله.

No comments:

Post a Comment